شارل تيودول دوڨيريا (1831-1871)

الحصول على الوثائق

شارل تيودول دوڨيريا (Charles Théodule Devéria) هو ابن الرسام والليثوغرافي الكبير أشيل دوڨيريا (Achille Devéria) (1800-1857) ، وعمّه هو الرسام الرومانسي أوجين دوڨيريا (Eugène Devéria) (1805-1865) . والدته تدعى سيليست Céleste وهي ابنة الليثوغرافي الباريسي شارل موط (Charles Motte). وبالتالي نشأ شارل تيودول دوڨيريا في وسط فني زاخر حيث التقى المشاهير مثل "دوما" و"هوغو" و"دولاكروا" و"ليزت" و"موسّي". وعندما كان شارل تيودول يستمع إلى قصص عالم المصريات "بريس داڨين"(Prisse d’Avennes) الذي تردد في عام 1843 إلى مشغل والده باللباس الشرقي كي يرسمه هذا الأخير، تأثر الابن بالأحاديث ومن هنا ولدت موهبته المبكرة. وتأكدت هذه الموهبة بفضل زيارته للمجموعات الفنية الثرية في متحف (Leyde) عام 1846. كما ولاقى التشجيع من جانب النقّاش "جول فوكيار" وهو صديق أوغست ماريات (Auguste Mariette) ومعاون جدّه في إصدار كتاب "قواعد اللغة في مصر" (Grammaire égyptienne) الذي ألّفه "شامبوليون"(Champollion). من جهة أخرى حظي بدعم اثنين من علماء المصريات هما "شارل لونورمان" و"أمانويال دو روجي".

التحق بالكوليج دو فرانس وبمعهد اللغات الشرقية حيث تعلّم على يد كبار الأساتذة مثل المستشرق "إيتيان مارك كاترومار"، وبعدها انضم في عام 1851 إلى قسم المدموغات بالمكتبة الإمبراطورية (الذي أصبح حالياً قسم المدموغات والصور الفوتوغرافية بالمكتبة الوطنية الفرنسية) حيث كان والده موكلاً بمجموعة المنقوشات منذ العام 1849.

في عام 1855 عُيّن شارل تيودول دوڨيريا إبيغرافياً لدى قسم التحف المصرية بمتحف اللوڨر. وكانت مهمته ترتيب وإعداد قوائم جرد الكمية الهائلة من القطع التي استخرجت من حفريات سيرابيوم ممفيس الذي تم اكتشافه عام 1850 على يد أوغست ماريات، المشرف على أعمال التنقيب الفرنسية في مصر. وشارك في نفس السنة لدى دار النشر Firmin Didot بإصدار ألبوم للمصوّر الفوتوغرافي عالم المصريات الشاب الأميركي "جون ب غرين" (1832-1856)، وعنوان الألبوم "أعمال التنقيب في الطيبة خلال سنة 1855: نصوص هيروغليفية ووثائق لم تنشر من قبل". وكانت مساهمة شارل تيودول دوڨيريا في هذا الإصدار هي تحقيق نسخ لوحتين من المجلّد معتمداً الطباعة الحجرية (ليثوغرافيا). في عام 1856، بدأ يتعاون مع أوغست ماريات في التزيين بالرسوم للكتاب المعنون "مختارات من النصب التذكارية والرسوم التي تم اكتشافها أو تحقيقها خلال تفريغ سيرابيوم ممفيس".

أخيراً رافق أوغست ماريات إلى مصر في رحلة من ممفيس إلى الكرنك من أجل تصوير الحفريات الأثرية في سيرابيوم ممفيس وفي معهد آمون. دامت إقامته هناك من تاريخ 10 ديسمبر/كانون الثاني 1858 لغاية أبريل/نيسان 1859 حيث خصص وقته ليرافق أوغست ماريات إلى سائر ورش التنقيب. في يناير/كانون الأول 1862، عاد من جديد إلى مصر ليكون بمعية أوغست ماريات الذي كان يشرف على أعمال التنقيب في سيرابيوم ممفيس. عاد من جديد في إقامة ثالثة بمصر وكان في هذه المرة يرافق هنري بيرير والسيد سورال وأرثور روني. وكانت رحلة استجمام، استخدم خلالها النيغاتيف على الزجاج بالكولوديون مما أتاح له التقاط الصور لعدد أكبر من البورتريهات والتذكارات، في حين استخدم سابقاً النيغاتيف على الورق المشمّع (النيغاتيف على الزجاج يسمح بالتقاط سريع لمثل هذه القطع).

إنّ بداية عمله في مجال الفوتوغرافيا والتدريب الذي حظي به على يد والده يعودان إلى العام 1845. حقق عدداً من النسخ عن المنقوشات وعن الرسوم القديمة وترك بنوع خاص إنتاجاً وفيراً يتعلّق بأعماله بجانب أوغست ماريات وهه الأعمال عبارة عن تحف وتوثيقات بشأن ورش التنقيب في مصر، كما وحقق أيضاً بعض اللقطات التصويرية في فرنسا (في Courseulles الواقعة بإقليم Calvados). ربطته كذلك علاقة صداقة بالرسام المصوّر الفوتوغرافي پول بارتييه (1822-1912) وتعاون معه في تحقيق "الإصدار بشأن سيرابيوم ممفيس"، كما أنّ پول بارتييه حقق معظم الصور الفوتوغرافية للتحف الصادرة عن أعمال التنقيب التي قام بها أوغست ماريات، وهذه التحف كانت مخصصة لمتحف اللوڨر. إن صور شارل تيودول دوڨيريا الفوتوغرافية المحفوظة في الــBnF مصدرها بالتحديد ممتلكات Berthier تقدمة في عام 1921 من المصوّر الفوتوغرافي پول سوڨانو (1847-1934).

بعد وفاة شارل تيودول دوڨيريا باعت زوجته مجموع مقتنياته من أوراق ووثائق ونيغاتيفات إلى متحف اللوڨر بفضل توصية من أمانويال دو روجيه. وهذه المجموعة مودعة حالياً في متحف أورساي. إنّ ممارسة التصوير الفوتوغرافي عند دوڨيريا تتعلّق بنوع خاص بتوثيق ورش عمل التنقيب وبالتالي تأطير الصور التي التقطها يجب أن يُفهم من هذا المنظار. ظهّر الصور الفوتوغرافية معتبراً أنّها المادة اللازمة لإصداراته اللاحقة. إنّ إلمامه العميق بالتقنيات العديدة وهي الرسم والنقش والليثوغرافيا والفوتوغرافيا، بالإضافة إلى حسه الفني الدقيق الموروث عن والده، هي أمور جعلت منه معاوناً فريداً من نوعه في المشروع الكبير الذي أعدّه أوغست ماريات في مجال النشر. توفي شارل تيودول دوڨيريا في عام 1871 دون أن يتسنّى له رؤية نهاية المشروع الذي كان له فيه الفضل الكبير.

يمكن مقارنة بعض أعماله بأعمال أوغست سالزمن (1824-1872) وبأعمال غرين، وهي تتميّز في نظرنا بجمال خاص تخطى هدفه الأول.

 

الصورة: الكرنك، جدار عليه نقوش وكتابات هيروغليفية: صورة سالبة. 1859