ألبير غوپيل (1840-1884)

الحصول على الوثائق

هذه الوثائق من أعمال أحد الهواة الذي لم يكن يلمّ أبداً بتقنية التصوير الفوتوغرافي ولم يكن يأبه للأمر لأنّه احتفظ بهذه الوثائق للاستخدام الشخصي دون نيّة في نشرها أو عرضها.

ألبير غوپيل (Albert Goupil) هو الابن الأصغر لأحد كبار تجار المدموغات واللوحات الفنية، والنسخ الفوتوغرافية للوحات، أدولف غوپيل (Adolphe Goupil) (1806-1893). كان ألبير غوپيل شريكاً في مؤسسة " غوپيل وشركاؤهم" من عام 1872 حتى وفاته المبكرة في عام 1884. ورغم انتمائه إلى طبقة اجتماعية مرموقة، أصبح في عام 1884 من شركاء مؤسسة "بوسود، ڨالادون وشركاؤهم" التي خلفت مؤسسة " غوپيل وشركاؤهم"، دون أن يكون له مهام محددة. أتاحت له ثروة العائلة تكريس الوقت لهوايته في جمع الأعمال الفنية. أول رحلة قام بها إلى إيطاليا في عام 1858 برفقة الرسام شارل فرنسوا جالابير (Charles François Jalabert)، وبدأ يجمع الأعمال الفنية العائدة إلى عصر النهضة. أما الرحلة الثانية التي قام بها في عام 1868 برفقة جان ليون جيروم (Jean Léon Gérôme) زوج أخته ماري منذ العام 1863، فهي الرحلة التي حرّكت ميوله نحو الأعمال الفنية الشرق-أوسطية، في الوقت الذي لم تكن بعد هذه الأعمال قد حظيت بالاهتمام الكافي من جانب الهواة الأوروبيين المعروفين في جمع القطع الفنية.

هذه الرحلة إلى الشرق كانت الثالثة بالنسبة لــ جان ليون جيروم وشارك فيها سبعة رسامين في حين أسندت إلى ألبير غوپيل وظيفة التصوير. دامت الرحلة خمسة أشهر انطلاقاً من الإسكندرية مروراً بسيناء والبتراء والقدس والبحر الميت ودمشق للوصول إلى بيروت وتم توثيق مراحلها بإتقان، فنجد الملاحظات التي دوّنها جان ليون جيروم، ودفتر الرحلة لــ"فامار تستاس" (Famars Testas)، والكتاب الذي ألّفه پول لونوار (Paul Lenoir) بالإضافة إلى دراسات عديدة ورسوم تم تحقيقها خلال الرحلة. بالنسبة للصور الفوتوغرافية التي التقطها ألبير غوپيل فقد ورد ذكرها في وثائق رفقاء الرحلة. وكان لا بد من انتظار عام 1996 كي يتوصّل قسم المدموغات والصور الفوتوغرافية بالمكتبة الوطنية الفرنسية إلى حيازة ألبوم يحتوي على 79 صورة، وقّع عليه غوپيل شخصياً وقدّمه إلى الرسام أرنست جورنو (Ernest Journault). ومن المرجح أنّ غوپيل قدّم ألبوماً مماثلاً إلى كل من أعضاء البعثة وألبوماً كاملاً إلى جيروم زوج أخته.

هذه الوثائق من أعمال أحد الهواة الذي لم يكن يلمّ أبداً بتقنية التصوير الفوتوغرافي ولم يكن يأبه للأمر لأنّه احتفظ بهذه الوثائق للاستخدام الشخصي دون نيّة في نشرها أو عرضها. فإنّ سيلان المواد وظهور الآثار بشكل خطوط التوائية على العديد من الصور من الأمور التي تدل على الصعوبات التي تعرّض لها ألبير غوپيل عند استخدام النيغاتيف على الزجاج بالكولوديون. ونلاحظ على بعض الصور الأخرى أنساق الألوان المعتمة أو تبدو السماء رصاصية اللون بسبب الضوء الساطع. أما صور مجموعات الأشخاص فهي مؤطرة بشكل غير ملائم، وفي معظم الأحيان التقطت من مسافة بعيدة. ولكنه رغم سائر المآخذ والانتقادات التي تنطرح حول هذه المجموعة من الصور على المستوى التقني، هي في المقابل تشكل شهادة ثمينة. هي حميمة والتقطت على حقيقتها، وبالتالي هي نادرة. تبيّن صورة الشرق كما رأته مجموعة من الفنانين الذين لم يسعوا إلى المشاهد الخلابة، ولم يهتموا للجمع الأركيولوجي، ولم يكن لديهم أي هدف للتصنيف العلمي. هذه النضارة التي تبرز من خلال قلة البراعة عند التقاط بعض الصور، تبدو بوضوح في المطبوعات. والبعض منها يطلعنا على أمور كثيرة بشأن رحلات الفنانين وبشأن لجوئهم إلى التصوير الفوتوغرافي. على سبيل المثال، بتاريخ 15 فبراير/شباط، استدعى الفنان فامار تستاس شابة تدعى فاطمة وطلب منها أن تكون نموذجاً له ولغوپيل وجورنو كي يرسم كل منهم لوحة (وكان الآخرون قد خرجوا في نزهة)، وقالوا فيما بعد: "لقد أجرينا دراسة و غوپيل التقط صورة". يحتوي هذا الألبوم صوراً لمشاهد طبيعية من سيناء ودير سانت كاترين والبتراء، والعرب المرافقين للرحالة، ومجموعات، ومخيّم الرحالة، والبحر الميت، جميعها تتطابق تماماً مع اللوحات المائية والرسوم التي جمعها Bonnat و Gérôme. الصورة التي التقطها غوپيل لمشهد من الفيّوم شكلت لاحقاً نموذجاً لإحدى لوحات جيروم التي رسمها في باريس عام 1870 وعنونها "نساء فلاحات يجلبن الماء". في الواقع كانت الصورة الفوتوغرافية بحوزة جيروم فأخذ عنها ديكور خلفية اللوحة: المنازل وأشجار النخيل وغيرها وجعل من هذه اللوحة مشهداً مألوفاً من الحياة اليومية إذ أضاف النساء قرب الماء.

لدى عودته إلى باريس بدأ غوپيل ينظم مجموعة من القطع الشرقية في شقته على العنوان رقم 9 من شارع شبتال (Chaptal) على مقربة من مشغل جيروم زوج أخته في شارع بروكسل في حي أثينا الجديدة (La nouvelle Athènes). أصبح غوپيل عضواً في اللجنة الإدارية لمتحف فنون الزخرفة بباريس وشارك عام 1880 في إعادة تنسيق الصالة الشرقية في المتحف. شجّع طوال حياته على إقامة المعارض لأنها تتيح للجمهور التعرّف إلى فنون الشرق الأوسط.

 

الصورة: رحلة إلى مصر وسيناء والأردن وفلسطين. ألبير غوپيل، 1868.