الرحلة إلى مصر، بيسّون وويلّينغ

الحصول على الوثائق

يجمع الألبومان من مجموعة سميث-لوسويف المحفوظان في دائرة المطبوعات والتّصوير الفوتوغرافي في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة 119 صورةً من رحلة إلى مصر قام بها المّصوران أوغست روزالي بيسّون وإدوارد ويلينغ لحساب دار ليون وليفي.

قام مالكها السابق بتوثيقها من جديد وشرحها، فشكّلت سلسلة متجانسة من النّاحية التقنيّة كما من حيث الشّكل والنّمط. تحمل بضع لوحات فقط ختم النّاشر. أمّا بالنسبة لأسماء المصورين فإنها كانت لتظلّ مجهولة لولا أعمال م.-ن. ليروي[1], الّتي مكّنت من ربط هذه السّلسلة بإحدى المجموعات الرئيسيّة للتّصوير الفوتوغرافيّ الفرنسيّ في القرن التّاسع عشر، وهي مجموعة الإخوة بيسّون.

في العام 1852 قام الأخوان لويس أوغست (1814-1876) وأوغست روزالي (1826-1900) بيسّون بعقد شراكة بينهما لإنشاء دار الإخوة بيسّون، والتي سرعان ما أصبحت واحدة من الأهمّ في باريس. مع أنّهم مارسوا التّصوير الفنّي للوجوه واستنساخ الأعمال الفنيّة والتّصوير العلميّ، إلّا أنّ مجال الهندسة المعماريّة وتصوير المناظر الطبيعيّة هو ما تميّز به الأخوان؛ من جهة مع سلسلتهم الاستنساخ الفوتوغرافي لأجمل أنماط الهندسة المعماريّة والنّحت Reproductions photographiques des plus beaux types d’architecture et de sculpture ، والّتي صوّرت بطبعات من الحجم الكبير المعالم التاريخيّة في فرنسا والدّول المجاورة. ومن جهةٍ أخرى مع رحلات أوغست روزالي إلى جبال الألب وخاصة الى المون بلان. إذا كان هذا الإنجاز التقنيّ والرياضيّ قد ضمن لهم الشهرة إلّا أنّه لم يمنع شركتهم من الإفلاس الّذي أُعلِن العام 1864. مع ذلك استمرّ أوغست روزالي بنشاط فوتوغرافيّ مكثّف لحسابه الخاص أو لناشرين مختلفين.

تحوّلت الدّار التي تأسّست في العام 1864 من قبل مويز ليون وجورج ليفي، والّتي تحمل إسمهما، تدريجيّا إلى إمبراطوريّة حقيقيّة للصّور السّياحية، واستمرّ عملها حتى العام 1917 [2].لربّما لجأ الأخوان الى مصور اشتُهر على حد سواء بنظرته إلى المعالم والمواقع  وقدرته على قيادة حملة تصوير فوتوغرافيّ كبيرة على نطاق واسع، حتّى في المناطق الصّعبة، بسبب رغبتهما إضافة سلسلة مشاهد لمصر إلى قائمتهما. ومن المرجّح أن يكون دور ويلّينغ قد اقتصر على المساعدة التقنيّة نظرًا لكونه مصوّرٌ غير معروف السّيرة والإنتاج..

اتّبعت هذه الرحلة التصويريّة في تكوينها ومراحلها الرئيسيّة الطّريقة الّتي طرحها ماكسيم دو كامب في العام 1852، والّتي اتّبعها في خمسينيّات القرن التّاسع عشر مصوّرون مثل غرين وفريث أو تاينارد. حيث قام بالقيادة من الإسكندرية إلى أبو سمبل، متّخذًا من القاهرة محطّةً مطوّلةً له. يمكن لخَيار المصوّر الطّباعة بالحجم المتوسط أن يشكّل مفاجأة خاصّة وانّه سبق له أن حمل ألواحًا زجاجيةً أكبر بكثير الى سطح أوروبا لتضخيم عظمته، ولكن يكمن التّفسير من دون شكّ في الخيار التجاريّ للنّاشرين وحرصهم على عرض صورٍ غير مكلفةٍ لجمهورٍ أوسع.

بالرّغم من حجمها وجودتها التقنيّة المتوسطّين، والإتفاق نسبيًّا على أيقونيّتها، إلّا أنّ هذه السّلسلة حملت علامة مصوّرها الرئيسي، وقدّمت بعض الصّور في غاية الجمال. رؤية بيسّون هي أساسًا للصروح، وحتّى للمواقع الأثريّة: فباستثناء بعض المشاهد للإسكندريّة وسدّ النّيل والقصور الخديويّة في القاهرة، تجنّبت رؤيته مصر الحديثة، ولم تقدّم أيّة تنازلات بخصوص ما هو خلّاب. لقد قدّمت لنا مصر لنراها بحجارتها الخام المصقولة أوالمنحوتة بشكل هو بالأساس معدنيّ. لا تظهر الصّروح الإسلاميّة في القاهرة التي قدّمها بيسّون بواسطة أقطار وآفاق شيّدها بذكاء كأماكن حيّة للعبادة في مدينةٍ مأهولة، ولكن كأطلال مهدّمةٍ ومنسيّة لحضارة ميتة. وبذلك توفّر هذه الصّروح مقدّمة لمجلةٍ عن آثار مصر الفرعونيّة الّتي تشكّل من الجيزة إلى حدود السودان الغرض الرئيسيّ لهذه السّلسلة.

إذا كانت بقايا أوائل التّنقيبات الأثريّة ظاهرة في بعض الصّور (التّمثال الضّخم الذي اِكتُشف في سقّارة، ومعبد إدفو الّذي رُفع عنه الرّكام مؤخرًا)، فإنّ الآثار القديمة لا تزال تظهر كما تركها الزّمن وغطّاها: الأجزاء العليا من معبد الأقصر بالكاد تخرج من الطّمي، والكثبان الرمليّة لا زالت تخبّئ جزءًا من واجهة أبو سمبل. كانت رؤية بيسّون أقلّ تفصيلا من رؤية ديفيريا وأقلّ بريقًا من رؤية غرين، إذ كانت تسعى لاستعادة الكتلة والمقاييس الضّخمة لهذه المباني، وبصفة خاصّة عزلتهم. من هنا، شكّل صعوده النيل، حتى ولو كان في ذلك طاعة للجغرافيا، ابتعادًا تدريجيّا نحو عالم لا زال أكثر صحراويّة ووحشيّة، حيث الغرابة حبيسة الأبديّة واللّاواقع. إضافة لكون السّلسلة الأخيرة عن شلّالات النيل السّتّة والمعابد النوبية تمكّننا من رؤية مواقعها وصروحها في حالتها الأصليّة والّتي أصبحت في ما بعد مغمورةً بالمياه أو تمّ نقلها، فإنّها في هذا الصّدد أثمن وأبرز ما في هذه الرحلة التصويريّة.

 


[1] "دار الإخوة بيسّون، مؤسّسة تصوير فوتوغرافيّ"، من الإخوة بيسّون، مصوّرون. من السّهم إلى القمّة. 1840-1870. Les Frères Bisson, photographes. De flèche en cime باريس-إسّين، المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة / متحف فولكفانج 1999..

[2]] أصول ليون وليفي تمتلكها الآن وكالة روجيه فيوليت، مجموعة تحفظها وتوزّعها الباريسيّة للتصوير الفوتوغرافيّ (http://www.roger-viollet.fr/agence.aspx)؛ حيث يتم حفظ سلبيّات صور بيسّون عن مصر.