المشروع

المشروع

من أجل الباحثين والمعلّمين والطلّاب فالتّرحيب بهم يقع في قلب المهام والقيم التأسيسية لمكتبة فرنسا الوطنية. وعلى نطاق أوسع، لجميع الذين يرغبون في تعميق فهمهم لهذه المنطقة من العالم في عمقها التاريخي من أجل فهم واقعها الحالي بشكل أفضل.

قرّرت المكتبة الوطنيّة في فرنسا في  آذار (مارس) من العام 2016، وبمبادرة من سلفي برونو راسين، إضافة إلى سبع مكتبات للتراث والبحوث في القاهرة والإسكندرية وبيروت واسطنبول والقدس (وانضمّت إليهم SALT لتَكون التّاسعة في عام 2017) إنشاء هذا الموقع، بهدف مشترك وهو لفت النّظر لديمومة وغِنى التّبادل العلميّ والفكريّ والدينيّ في هذه المنطقة. "يذكّرنا هنري لورينز في مقاله الافتتاحي بأنّ وراء المواجهات السياسيّة هناك دائما تبادلات وتفاعلات، لأنه وعلى عكس ما يؤكّده البعض، فقد حُكم على الشّرق والغرب أن يلتقيا باستمرار كما كان يقول سان-سيمونيّو ثلاثينيّات القرن التّاسع عشر".

"مكتبات الشرق" هي ​​نتيجة هذا الطّموح، بدعم وتعزيز من المجلس العلميّ الّذي وددتُ جمعه لمقاربة هذا الموضوع من جميع جوانبه، بكلّ حجمه وتعقداته. ساهم واحد وعشرون من المتخصصين المرتبطين بأربعة وعشرين متخصصا في مجال المكتبات في بناء هذه المكتبة وتنورها بمعارفهم من أجل جعلها مصدر معرفة وإلهام للجميع.

من أجل الباحثين والمعلّمين والطلّاب فالتّرحيب بهم يقع في قلب المهام والقيم التأسيسية لمكتبة فرنسا الوطنية. وعلى نطاق أوسع، لجميع الذين يرغبون في تعميق فهمهم لهذه المنطقة من العالم في عمقها التاريخي من أجل فهم واقعها الحالي بشكل أفضل.

جمع هذاالقدر من الثروات أصبح هنا وعد وفرصة للبحث والاكتشاف كتلك التي ذكرتها جاكلين شابي وريمي ارسيميسبيهير في الصفحات التي كتبوها لهذا الموقع وليس فقط لتشكيل مجموعات وثائقية وصور متماسكة. أن تتمكّن "مكتبات الشرق" منذ اللّحظة التأسيسيّة لإنشائها من أن تثير مثل هذه الوحي وهذه الرغبات لإقامة التقاربات والمقارنات والتحليل، لهو بالنسبة لنا مدعاة ارتياح كبير ومصدر فخر وتشجيع من عالم البحث لنكمل في الدّرب الّذي تمّ كذلك رسمه.

أتمّت "مكتبات الشّرق" المرحلة الأولى من العمل مع ما يقرب من 7000 وثيقة على الانترنت، متأتّية من تسع مجموعات. الشّرق الّذي نحن بصدده هنا يغطّي على الصّعيد الجغرافيّ بلاد الشّام الممتدّة إلى العراق والصّحراء البترائيّة، وعلى الصّعيد الزّمنيّ قرنًا ونصفًا من الزّمن، من عام 1798 مع حملة بونابرت على مصر – الّتي شكّلت أول فصل للوجود الأوروبي المباشر في السّلطنة العثمانيّة باستثناء "الاتّفاقات الموقّعة"- إلى عام 1945.

تشكّل العلاقات مع فرنسا، من الأكثر وضوحا إلى الأكثر إثارة للجدل، الخلفيّة الرئيسيّة الّتي تضيء عليها ما يزيد عن ثمانين مساهمةً مكتوبةً من قبل متخصصين معروفين وكذلك طلاب الدكتوراه الشباب، وكلها مترجمة إلى اللّغات العربيّة والإنجليزيّة. يتضمّن الموقع سبعة مواضيع في محاولة لفهم هذه العلاقات بشكل أفضل.

"مفترق الطّرق" الّذي يمثّله هذا الشرق هو أوّل هذه المواضيع. أعطيت مساحة كبيرة للأمكنة: هناك طبعًا مدن مثل الإسكندرية أو القسطنطينية (اسطنبول)، ولكن أيضًا أماكن العبور والسفر والمعارض العالميّة. يظهر غنى هذه "المجتمعات" في ألبومات مصورة ومجموعات استثنائية عن الأزياء الشرقيّة المحفوظة في دائرة المطبوعات والتصوير الفوتوغرافيّ والّتي كانت محطّ إعجاب الرّحالة الغربيّين.

اكتشاف مصر القديمة وتطوير علم الآثار الشرقيّة ومعرفة اللّغات والثّقافات الشّرقية هي أيضا مواضيع لا يمكن تجنبها ويتم التطرّق إليها في "المعرفة" في الشّرق. و"المخيّلة" تكمل هذه الرحلة، مع هندستها المعماريّة ومصوّريها وألف ليلة وليلة وكتّابها.

الشّرق الّذي لا يمكن فصله عن بناء الغرب أصبح أيضًا من غير الممكن فصله عن تاريخ الأدب الفرنسيّ. وهذا المفهوم عن الرحلة والشرق طوّر "الكتّاب في الشّرق" تحت إشراف صوفي باش والّذي تمثّله قصص شاتوبريان ولامارتين ونرفال وغوتييه وفلوبير وغوبينو ولوتي وبارّيس، ومن قبيل الارتداد روايات وقصائد بلزاك وفيكتور هوغو والكسندر دوماس.

من جانبه أتاح موضوع "الأديان" في الشّرق فرصة لتثمين النّصوص التأسيسيّة الفريدة من نوعها والنّادرة. فاكتشف الجمهور المخطوطات العبريّة الّتي أصبحت مؤخّرًا رقميّة وأتت كجزء من تعاون واسع النطاق بين المكتبة الوطنيّة في فرنسا والمكتبة الوطنيّة في اسرائيل، واكتشف أيضٍا العديد من المصاحف المحفوظة في قسم المخطوطات، والّتي تشكّل مجموعات مرموقة، أو حتى الأعمال والأشياء التي تصوّر حياة مسيحيّي الشّرق.

تُقدَّم هذه المجموعة الوثائقيّة الرقمية الغنيّة وكذلك جزء من الأعمال والأشياء الّتي تتكوّن منها هذه المجموعة بشكل استثنائيّ ضمن إطار معرض "مسيحيّو الشّرق، 2000 عامًا من التّاريخ" الّذي سيقام في معهد العالم العربي (IMA) من 26 أيلول (سبتمبر) 2017 إلى 14 كانون الثّاني (يناير) 2018، ومن ثمّ في متحف الفنون الجميلة في توركوان من 17 شباط (فبراير) إلى 5 حزيران (يونيو) 2018. أشكر رئيس معهد العلم العربيّ جاك لانغ، ووزير العمل و الحسابات العامة ورئيس بلدية توركوان جيرالد دارمانين، وكذلك فريقيهما للاهتمام الذي أولوه لهذا المشروع.

ومن ثمّ سيتابع موقع "مكتبات الشرق" مغامرته حيث سيتوسّع عن طريق إغناء مجموعته بوثائق جديدة إعتبارًا من عام 2018 للتعمّق وتطوير بعض المواضيع التي لا زالت حتّى السّاعة قليلة الطّرح. تسمح الطبيعة التعاونيّة لهذا الموقع بتوقّع مساهمات جديدة، وبخاصة في القضايا السياسيّة الّتي عُهد بها إلى هنري لورينز، لإكمال تلك الموجودة أصلًا حول الحملة على مصر والمعاهدة الفرنسيّة- السوريّة في عام 1936 وصعود القوميّات.

وفي الوقت عينه سيتمّ تحويل مستندات جديدة إلى رقميّة من ضمن مجموعات الشّركاء الحاليين وأيضًا الشركاء الجدد من فرنسيّين وأجانب، والذين أبدوا رغبتهم بالانضمام إلى هذه المغامرة الجماعيّة.

يسعى هذا الموقع إضافة لكونه مشروع تطوير وأداة للبحث إلى إظهار تضامن المكتبة الوطنيّة في فرنسا مع أكثرمن تراث مهدّد بالخطر في يومنا هذا. ويوفر ضمانة حفظٍ دائمٍ لمجموعة المستندات الرّقميّة ضمن إطار هذا المشروع، وذلك بمعايير الجودة نفسها التي تستخدمها المكتبة الوطنيّة في فرنسا للمجموعات الوطنيّة. ولكنّ ما يسبق التّرقيم هو أعمال الترميم، وهو ما مدّت له المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة يد العون أيضًا. بعد مخطوطات تمبكتو الّتي عملت عليها المكتبة الوطنيّة في فرنسا منذ عام 2013 جنبًا إلى جنب مع الأونيسكو، يأتي هذا المشروع الجديد ليساعد على الحفاظ على التراث الدينيّ للعراق وسوريا المهدّد بالخطر. تم ترميم وترقيم إثنين من الكتب الطقسيّة السريانيّة من القرنين الحادي عشر والسّابع عشر واثنين من أناجيل القرنين الرّابع عشر والسّادس عشر كانوا محفوظين في لبنان بدعم ماليّ من الرّعاة، شركة توتال وبلاستيك أمنيوم، وبالشّراكة مع Œuvre d’Orient.

انطلاقًا من هذا المشروع تلتزم المكتبة الوطنيّة في فرنسا و شركاؤها بالكامل بمهمّات التّعاون والحفظ والبحث، وتساهم في تنفيذ إعلان مؤتمر أبوظبي الدوليّ لحماية التراث العالميّ المهدّد بالخطر في 3 كانون الأول / ديسمبر 2016: "كونه المرآة الّتي تعكس مراحل تطوّر التاريخ الإنسانيّ، والحرس الأمين لذاكرتنا الجماعيّة، والشاهد الصّادق على المسيرة الإبداعيّة للحضارات البشريّة، يعدّ التّراث الثّقافيّ العالميّ الرّكيزة الأساسيّة لبناء مستقبلنا المشترك".

من هذا المنطلق وبقناعة تامّة أطلقت المكتبة الوطنيّة في فرنسا برنامجها "التّراث المشترك". توفير المزيد من الوثائق الاستثنائيّة، وجعلها في متناول الجميع في كل مكان وفهمها بشكل أفضل في ضوء أحدث الأبحاث: هذا هو طموحنا من خلال مشروع "مكتبات الشرق"، كما كان سابقًا في المشاريع التي طُوّرت مع البرازيل واليابان وبولندا. بالتعاون مع "مكتبات الشّرق"، يقدّم "التّراث المشترك"، وهو مجموعة رقميّة بحقّ للمكتبة الوطنيّة في فرنسا تصوّرناها لحفظ وتبادل هذه الكنوز، مجموعته الرّابعة، وليس لديّ أدنى شكّ بأنّها ستكون للجميع فرصة لألف ملذّة وملذّة.