الدراسات الشرقية

الحصول على الوثائق

بالكاد يمكن لمس دليل على تدريس اللّغة العربيّة في فرنسا لأنّها أتت كثمرةٍ متأخّرةٍ لدراسة الآداب القديمة وفقه اللّغة في الكتاب المقدّس.

منح فرانسوا الأوّل في عام 1538 لقب "محاضر" في اليونانيّة والعربيّة والعبريّة إلى غِيوم باستيل في إطار إنشاء كليّة المحاضرين الملكيّين (الّتي أصبحت في ما بعد كليّة فرنسا) في مونتاني-سانت-جنفياف. نشر المستشرق بين عامي 1538 و1543 للّغة العربيّة فقط أبجديّتها في كتاب عن الحروف الأبجديّة لاثنتي عشرة لغة، Grammatica arabica (الأوّل في الغرب) وترجمةً جديدةً للسورة الأولى، الفاتحة، مخصّصةً لطبعة من القرآن الكريم من قبل ثيودور بيبلياندر في بازل عام 1543. وبعد ذلك تولّى محاضرو اللّغة العربيّة في الكليّة الملكيّة مهمّة أمناء سر-مترجمي الملك للّغات "العربيّة والتركيّة والفارسيّة والتتريّة" والّذين قاموا، كما يوحي اسمهم، بترجمة الوثائق للبلاط. وكان فرانسوا بيتيس دي لاكروا وديربولو وأنطوان غالان وكاردونا من بين المترجمين الملكيّين الأكثر شهرة.

من جهتها، لم تتمكّن السّفارات المعتمدة في اسطنبول والقنصليات الأجنبيّة في بلاد الشام وغيرها من أماكن التّبادل الديبلوماسيّ بدءًا من القرن السادس عشر من الاستغناء عن توظيف المترجمين، وقد أُطلق عليهم أسماء terdjümân، truchements،  torcimania، dragomans أو drogmans. كانوا بدايةً يُعيّنون من بين رعايا السّلطان غير المسلمين، من كاثوليك وأرمن وأرثوذكس وموارنة ويهود. لكن الدبلوماسيّين الأجانب كانوا يأخذون عليهم تبعيّتهم بشكل وثيق لأسيادهم العثمانيّين وأيضًا بيع أنفسهم لمن يدفع أكثر. وهذا ما حدا بالعديد من البلدان الممثّلة في اسطنبول لإقامة مدارس "شباب اللّغات" ليكون المترجمون من رعاياها.

أرسلت البندقيّة منذ عام 1551 شبّانًا من مواطنيها للدّراسة في اسطنبول، Giovanni della lingua. وما كان من  فرنسا عندما قرّرت فتح مدرسةٍ إلّا أن نسخت نموذج البندقيّة، ومن هنا نجد ترجمة "أطفال اللّغات"، ومن ثمّ "شباب اللّغات" الّتي فرضت نفسها.

يعود الفضل إلى كولبير في إنشاء مدرسة مهنيّة لمترجمين "تعيّن عليهم التّرجمة لسفراء وقناصل فرنسا في الشّرق"، بناء على طلب من غرفة التّجارة في مرسيليا، بمرسوم صادر في 18 تشرين الثّاني (نوفمبر) 1669. تقرّر في البداية إرسال ستة "شباب اللّغات" تتراوح أعمارهم بين تسع وعشر سنوات إلى أديرة الكبوشيّين في اسطنبول وإزمير. وحدها مدرسة اسطنبول عملت بشكل مقبول نسبيًّا. تقرّر في عام 1700، وبسبب غياب النّتائج المُرضية، أن يبدأ المترجمون المتدرّبون دراستهم في كلية لويس لوغران في باريس على أن يتمّ إرسالهم إلى إسطنبول عندما يبلغوا سنّ العشرين تقريبًا. أُقرّت في عام 1721 إصلاحات جديدة قضت بأن تقتصر المدرسة على عشرة شباب فرنسيين من أصول من بلاد الشّام أو عاصمة الدّولة. في هذه الحقبة وجب على أمناء سرّ-مترجمي الملك أن يعطوا دروسًا في مدرسة شباب اللّغات.

أُلحقت هذه المدرسة بوزارة الشّؤون الخارجيّة في عام 1796 واستمرّت بالعمل حتى عام 1873، تاريخ دمجها بالمدرسة الخاصّة باللّغات الشرقيّة الحيّة.

كان مقرّ هذه الأخيرة في المكتبة الوطنيّة، وأبصرت النّور في ظل المؤتمر الوطنيّ في 10 جرمينال السّنة الثّالثة (الموافق 30 آذار-مارس- 1795). وتمّ نقلها، في عام 1873 بمبادرة من رئيسها تشارلز شيفر، إلى قصر يقع على زاوية شارع سان-بير وشارع لِيل. واتّخذت في عام 1971 إسم المعهد الوطني للّغات والحضارات الشرقيّة (INALCO)، المعروف أكثر باللّقب المألوف اللّغات O'.

أصبحت باريس في أوائل القرن التّاسع عشر مركز الدّراسات الشّرقية في أوروبا. فقد كان من الممكن تعلم اللّغات العربيّة والتركيّة والفارسيّة في ثلاثة معاهد: تعليم علميّ وأدبيّ في كلية فرنسا، حيث تميّز محاضر اللّغة العربيّة جان جاك أنطوان كاوسن برسيفال ومحاضر اللّغة التركيّة ابيل بافي دي كورتيْ. كما كان بالإمكان تعلّم اللّغات الشرقيّة بهدف لاستعمالها وللإفادة منها سياسيًّا وتجاريًّا في المدرسة الخاصّة باللّغات الشرقيّة الحيّة، تحت إشراف أنطوان-ايزاك سيلفتستر دي ساسي للعربيّة الفصحى، وأرمان-بيير كوسّان دي بيرسوفال للعربيّة المحكيّة؛  ولويس لانغلِز وإتيان كاترمير للفارسيّة؛ وأميدي جوبير وشارل باربيي دي مينار وتشارلز شيفر للتركيّة. وبالإضافة إلى ذلك، واصلت الحكومة الحفاظ على شباب اللّغات في كليّة لويس لوغران والّذين كان يتمّ اعدادهم ليصبحوا مترجمين في بلاد الشّام.

في حين وجد الاستشراق العلميّ لنفسه مكانًا في القرن التّاسع عشر، أحسّ المجتمع المثقّف بحاجته للتمتّع بمنشور منتظم صادر عن جمعيّة معروفة. وهكذا ولدت في عام 1822 الجمعيّة الآسيويّة. ونشرت على الفور دورية هي المجّلة الآسيويّة الّتي لا تزال تصدر حتّى يومنا هذا.

شهد القرن التّاسع عشر والنّصف الأوّل من القرن العشرين ذروة الاستشراق الأكاديميّ، وهي حقبة كانت فيها فرنسا قوة عظمى توسّعت نحو أفريقيا وآسيا، واضعة تحت سيطرة شبه مباشرة وشبه نافذة، مستعمرات ومحميّات وولايات.

 

شرح الصّورة: نماذج من الخطّ النّسخيّ، مؤلّفة من الابتهال بالصّفات التي تشكّل أسماء الله..

Réduire l'article ^

Liste des documents

أقرأ المزيد
See the collections on Gallica
  • نماذج من الخط العربي
 
 
عرض جميع الوثائق
أقرأ المزيد
See the collections on Gallica
  • Université Saint-Joseph de...
  • البعثة المصرية
  • المجمع العلمي المصري
 
 
عرض جميع الوثائق
مكتبات
إن تواجد مخطوطات شرقية في المكتبة الوطنية، وريثة المكتبة الملكية، ليس أمرا يعود إلى محض المصادفة، بل يعكس العزم الذي كان لدى أسلافنا على أن يعرفوا بطريقة مباشرة أفكارا أخرى، وآدابا أخرى، ولغات أخرى. وبالتالي فإن تشكل مج...
فريديريك هيتزل، دكتور في التاريخ، مكلف بأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، مركز الدراسات التركية والعثمانية والبلقانية والأسيوية الوسطى (CNRS-EHESS-PSL)
أقرأ المزيد